لقاء مع السيد سلمان هادي آل طعمة

اللقاء: الرابع.

الشخصية المحاورة: الأستاذ السيد سلمان هادي آل طعمة.

المكان: العراق، كربلاء المقدسة.

التاريخ: 13/7/2005م ـ 20/ربيع الثاني/1426 هـ.

 

«العلماء ورثة الأنبياء»

أهل مكة أعرف بشعابها

نعم فأهل كل فن عارفون فيه وفي المتألقين فيه أفضل من غيرهم فأهل الطب أعلم من غيرهم في علم الطب وفي علم الهندسة أهله أعلم به كذلك، وفي الأدب وقدّاسة الكلمة لا يعرف الأديب على حقيقته إلا من كان أديبأً مقدساً للكلمة لذا ارتأينا أن نستضيف أحد الباحثين الكبار وأحد محيي تراث مدينته مدينة كربلاء المقدسة. بفكره وأدبه حتى بلغت تصانيفه خمسين كتاباً ضيفنا هو الأستاذ السيد سلمان هادي آل طعمة.

 

إطلالة على حياة المحاور

ولد في كربلاء سنة (1935م)، وانحدر من أسرة علوية عريقة تُعرف بالسادة آل طعمة المتفرّعة من قبيلة آل فائز العلوية، وهي من أقدم القبائل العربية التي سكنت كربلاء في منتصف القرن الثالث الهجري.

أنهى دراسته الابتدائية والمتوسّطة ودار المعلمين الابتدائية في كربلاء، وتخرّج معلماً وزاول التعليم فيها، ثم واصل دراسته في كلية التربية بجامعة بغداد فرع التربية وعلم النفس وتخرّج سنة (70-71) م.

ثم التحق بالجامعة الإسلامية التي أسّسها المغفور له الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان لنيل شهادة الماجستير.

بدأ نشاطه الأدبي أواخر (1952م)، وبدأ ينشر قصائده في الصحف والمجلات ويلقي أشعاره في المناسبات الدينية، وتعرّف على شعراء المدينة منهم الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره.

 

اللقاء الأول في كربلاء المقدسة

متى بدأت علاقتكم بالسيد الشهيد؟ وكيف استمرت؟

علاقتي بالسيد الشهيد السعيد حسن بن المهدي الحسيني الشيرازي بدأت منذ عام (1954م)، واستمرّت حتى رحيله عن كربلاء في أوائل السبعينات، وفي خلال سفراتي لسوريا كنت ألتقيه في صحن السيدة زينب عليها السلام أو السيدة رقية عليها السلام ، وهو يؤم صلاة الجماعة، فأسلّم عليه وأتحدّث معه بشؤون الأدب.

 

الإخوة الصادقة

ماذا كانت الخصوصيات الأخلاقية للشهيد؟

كانت بيني وبين الشهيد مودّة خالصة لا تشوبها شائبة، فهنالك تواصل مستمر وإقبال بشر، فقد كان دمث الأخلاق، طيّب السيرة، نقيّ السريرة، أزوره في المدرسة السليمية الدينية ويزورني في منزلي بمحلة باب الطاق، أو ألتقيه في الصحن الشريف الحسيني وهو يصلي خلف والده آية الله السيد ميرزا مهدي الشيرازي قدس سره أو في المدارس الدينية.

ومن خصوصيات أخلاقه أن الابتسامة لا تفارق شفتيه وكل من يلتقيه يراه هشاً بشاً.

كنت أزوره مراراً وتكراراً في المدرسة السليمية حيث مكتبه في الطابق الثاني فنتطارح الشعر نظماً وتشطيراً، ونتناقش في قضايا الأدب. وإنني عندما كنت أقابله كان يصافحني ويضغط على يدي بقوة، ونظراً لنحافة جسمي كنت أشعر بعدم سحبها من بين أصابعه القوية، وكنت في المرات الأخرى أحاول أن أسلم عليه باللسان فقط، وأتهيب من قوة يده، فيبتسم لذلك، أتصوّر أن هذا التصرف الذي بدر منه تجاهي كان على سبيل المزاح الأخوي ليس إلا.

 

الأديب الثائر

من خلال معاشرتكم للشهيد كيف تقيّمون شخصيته الذاتية وعبقريته العظيمة؟ وما هي منابع عبقريته؟

كان الشهيد السيد حسن يمثّل شخصية المناضل الغيور، فقد تربّى في أسرة علمية لها تاريخ وتراث عريق، لذا أسهم في رفد الحركة العلمية والأدبية في المدينة، وحاول أن يخلق أدباً ثورياً حماسياً وطنياً في الشعر الحديث، تمثّل فيه الصدق والأصالة، لذلك نشأ شاعراً وطنياً.

أما منابع عبقريته فهي القرآن الكريم، وخطب نهج البلاغة، وكتب اللغة والعروض، ودواوين الشعراء القدامى والمحدّثين، فراح يعبّ من مناهلها حتى ارتوى.

 

الأخلاق الرفيعة

كيف كان يتعامل مع الناس عامة ومع زائريه وضيوفه؟

يتعامل مع الناس بلطف ورقّة، ويحترم زائريه وضيوفه، ويؤدّي لهم الخدمات الجليلة النافعة.

 

الهيئة العلوية والجهاد المستمر

أنقلوا لنا بعض القصص والخواطر التي تخصّ الشهيد في مختلف جوانب الحياة؟

أتذكر من المواقف الراسخة في جدار ذاكرتي حتى الآن أنّ الهيئة العلوية التي من أعضائها السيد حسن الشيرازي، والسيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني، والسيد مرتضى القزويني، والسيد حسن أبو لحية، والسيد صادق آل طعمة، وكنت أصغرهم سناً، وكان ذلك في سنة (1954م)، كانت تقيم الحفلات في المواسم الدينية، كميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وأله وسلم ، وميلاد الإمام علي عليه السلام ، وميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومناسبة عيد الغدير، وغيرها، وكان من المشاركين في هذه الاحتفالات الشاعر عباس أبو الطوس، ولهذا الشاعر في ذاكرتي الكثير من المواقف والتواصل الثنائي بيننا، وفي إحدى المرات طلب مني سماحة السيد حسن الشيرازي أن أدعو هذا الشاعر الشاب الفذ للحضور في الصحن الشريف الحسيني ليشارك بإلقاء قصيدة بمناسبة مولد الإمام الحسن عليه السلام على ما أتذكّر، فكان يلبّي الطلب، إلا أنه يتأبّط مفرشه ولحاف نومه، وعندما سألته عن ذلك أجابني بأنه سيقضي ليلته في السجن بعد فراغه من إلقاء القصيدة، حيث ينتظره الشرطي على باب الصحن.

وهذا ليس بمستغرب على هذا الشاعر، فقد كان حادّ اللسان على السلطة الحاكمة آنئذٍ، وشعره شاهد على ذلك، حيث يقول:

في يوم مولدك الأغرّ السّامي        أصبو إليك بنشوة وغرام

إلى أن يصل قوله:

يتسامرون وما مدامة أُنسهم             إلا عُصارة أدمـع الأيتـام

وكنّا أعضاء الهيئة العلوية نقصد أحد شخصيات المدينة التي لها ارتباط بالمسؤولين كمدير الشرطة مثلاً فنتقدم بكفالته لدى المركز والتعهد بعدم تكراره لهذا التجاوز غير المسموح، فيُطلق سراحه بعد يوم أو يومين، ومع ذلك فإنه يكرّر في مناسبات أخرى.

 

نشر الثقافة الإسلامية من أهم أهداف الشهيد

وفي سنة (1956م) أسّسنا جمعية أدبية باسم (رابطة الفرات الأوسط) هدفها نشر الثقافة في البلد، وإقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية، ومع كثرة مشاغل السيد الشهيد فإنّه كان يحضر معنا كعضو بارز ومشجّع، وقد استمرت هذه الجمعية ثلاث سنوات، ولدينا صور تمثّل أعضاء الجمعية نشرت بعضها في مجلة (المرشد) الدمشقية التي يصدرها الأستاذ الشيخ حسين الفاضلي في العدد الخاص بآل الشيرازي.

 

المؤمن مرآة أخيه

وموقف آخر أتذكره أنّ الشهيد السعيد السيد حسن كان قد أرسل لي قصيدة كتبها بمناسبة مولد أحد الأئمة الأطهار عليهم السلام بيد العالم السيد محمد علي الطبسي، وذلك لنشرها في مجلة (ذكريات المعصومين) التي يصدرها في المدرسة السليمية الدينية. فكنت أراجعها وأضع الخطوط تحت بعض الأبيات التي أرى فيها رأياً أو ملاحظة، وكنت أتصوّر أن يحذفها أو يعدّل في صياغتها، ولكني أُفاجأ بأن تبقى الأبيات كما هي دون تغيير أو تبديل، وذلك بصدور العدد الجديد الذي يحمل القصيدة ذاتها. ولدى التقائي بسماحة السيد بعد يوم أو يومين بالمدرسة السليمية أعاتبه على نشر القصيدة كاملة دون الإلتفات إلى ملاحظاتي فكان يبتسم ويقول لي: إنّ الأبيات كلها سليمة والملاحظات ليست بذات أهمية. أتصوّر أنّ سماحته يقدّر ما أدوّنه له من ملاحظات ولكنه من باب ?«المؤمن مرآة أخيه المؤمن» لينظر ما يمكن إليه من ملاحظات من وجهة نظر أخرى.

 

رفاق الدرب

من هم أصدقاء الشهيد؟ ومن هم أعوانه في أعماله؟

الذي أتذكّره أنّ أصدقاءه هم الذين ورد ذكرهم قبل قليل، ومعظمهم رجال الدين والعلماء الأعلام، ويمكنني أن أضيف إليهم: العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي، والخطيب الشهير الشيخ عبد الحميد المهاجر، والسيد سعيد زيني، والسيد عبود الشروفي، والسيد جواد محمد علي آل طعمة، وولده عبد الرسول، والحاج حبيب القهوائي، والحاج موسى الحلاق، وغيرهم كثيرون.

 

المهرجان العظيم

ماذا كان دوره في احتفالات (13/رجب) بمناسبة مولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة كربلاء المقدسة؟

المهرجان العالمي الذي أقامته كربلاء في السنوات (1959-1966) بمناسبة مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لم يشهد العراق له مثيلاً، فكان للسيد حسن الشيرازي مساهمة كبرى في توعية الجماهير، وبثّ الروح الوطنية فيها، وذلك من خلال قصائده التي هزّت النفوس، وحرّكت الضمائر، وكان لها دويّ في الأوساط الشعبية، فقد حارب الظالمين الطغاة والنظام البائد في العراق، وكان قد شارك في هذا المهرجان رعيل كبير من شعراء وأدباء العراق والبلاد العربية، فمن الأردن روكس بن زائد العزيزي، ومن لبنان جورج جرداق، وسليمان كتّاني، ومن العراق الدكتور مصطفى جواد، والسيد مصطفى جمال الدين، والشيخ أحمد الوائلي، والسيد محمد جمال الهاشمي، والسيد محمد الحيدري، والسيد جواد شبر، والسيد عباس شبر، ومن كربلاء السيد حسن الشيرازي، والسيد مرتضى القزويني، والسيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني، والسيد مرتضى الوهاب، وأمّا أنا فقد شاركت ثلاث مرات، وقد حضر المهرجان الوزراء العراقيون والسفراء وكبار رجال الدولة، والإمامان السيد محسن الحكيم، والسيد ميرزا مهدي الشيرازي، ومن بغداد الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ نجم الدين الواعظ، والشيخ عبد العزيز البدري من سامراء، وغيرهم كثيرون.

 

أمية والشيوعيون

كانت قصائد السيد الشهيد تلقى التأييد والإعجاب من لدن الآلاف المحتشدة في ساحات المدينة و شوارعها.

أسمعه يقول:

داسوا عفاف المحصنات لأنهم    *     لقطاء لم يعرف لهم آباء

والناس عندهم شعوبيون قد     *    سادتهم الرجعية السوداء

وهم الشيوعيون إلا أنه        *     زادتهم الأموية النكراء

لو لم يكونوا ملحدين لما رضوا      *      بالمشركين وفيهموا دخلاء

لكنهم راموا قيادة عفلق          *     إذ لم يكن فيهم له أكفاء

أو ليس قد سمّاه يعرب عفلقاً        *     ولديه أحقاد الصّليب دماء

وأبوه جاء لسوريا مستعمراً      *       والأمُّ باريسية عجماء

هذا نموذج بسيط من شعره.

 

أول عالم كتب في الشعر الحر

كيف استطاع أن يكتب هذه الكتب العميقة مع كثرة مشاغله وأعماله؟

من أروع ما كتب السيد الشهيد موسوعة الكلمة (كلمة الله، كلمة الإسلام، كلمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، كلمة الإمام علي عليه السلام، وهكذا بقية الأئمة عليهم السلام).

وبالنسبة للشعر ونقد الشعر فلديه دراسات عميقة، وكان رائداً للشعر الحر بالنسبة لرجال الدين، ذلك الشعر الذي يلغي نظام الشطرين، كما كان رائداً في نقد الشعر لاسيّما حين تقرأ كتابه (الأدب الموجّه).

وحبّذا لو يتصدّى أحد المهتمين بأدب العلماء طباعة المجموعة الكاملة لأشعاره ليتسنّى للباحثين والمختصّين الحصول عليها ودراستها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.